الصفحة الرئيسية  اقتصاد

اقتصاد خطير في طبرقة: مافيا ترتع في عالم الذهب الأحمر.. والحكومة «شاهد ما شفش حاجة»

نشر في  27 أوت 2014  (11:21)

في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة التونسية الى الخروج من أزمتها الاقتصادية عبر الضغط على جيب المواطن التونسي والترفيع في أسعار المواد الأساسية، تغض نفس الحكومة بصرها عن ثروات هامة تنهب بشكل يومي دون أن تستفيد منها..

نتحدث هنا عن صيد وتجارة «الذهب الأحمر» أي المرجان، هذا الحيوان البحري الذي باتت أسعاره خيالية خاصة وأن انتاجه لم يعد يقتصر على الحلّي والمجوهرات بل أيضا يستعمل لأغراض طبية، حيث تبين أن المهربين يبيعون الشعب المرجانية لشبكات دولية تتعامل مع مخابر طبية أجنبية تستخدم الذهب الأحمر في استخراج عقاقير طبية مضادة للسرطان والالتهابات الفيروسية وهو ما رفع من سقف أسعاره. الصيد العشوائي للشعب المرجانية موضوع في غاية الأهمية أردنا تسليط الضوء عليه خاصة بعد زيارة قمنا بها مؤخرا الى مدينة طبرقة حيث لاحظنا أن أسواق هذه المدينة الساحلية تفتقر الى الأسماك وهو أمر غير طبيعي خاصة أن طول سواحل طبرقة تبلغ 25 كلم...
وبالبحث والتحري أفادنابعض البحارة الذين لهم من التجربة والدراسة في هذا المجال عديد السنوات أن السبب الرئيسي لافتقار الأسماك هو عزوف البحارة عن صيد السمك واهتمامهم بصيد المرجان اضافة الى اعتماد هؤلاء البحارة على تقنية الصيد بـ«المحراث» وهي تقنية محظورة لأنها تتسبب في تصحّر البحر ...
مدينة طبرقة من ولاية جندوبة هي ثاني أشهر مدينة في العالم في انتاج وتصدير المرجان، وتجدر الملاحظة أن طبرقة ومنطقة عنابة من الجزائر والقالة التي تبعد حوالي 10 كلم من طبرقة هي المناطق الوحيدة في البحر الابيض المتوسط التي مازلت بحارها غنية بالمرجان، لكن «المنظومة المرجانية» بسواحل مدينة طبرقة تتعرض يوميا الى عديد المخاطر أهمها الصيد العشوائي واستعمال تقنيات غير قانونية لاجتثاث هذا الكائن البحري من الأعماق طمعا في ما يدره من أموال هامة حيث يصل سعر الكيلوغرام الواحد الى 6 آلاف دينار أو أكثر.

الذهب الأحمر طريق الى الثروة

وفي حديث مطوّل جمعنا بمصادرنا (والذين رفضوا ذكر اسمائهم) أكدّوا أن القصة انطلقت قبل الثورة وتحديدا حينما وفّر صندوق التضامن 26/26 مراكب صيد لمجموعة من البحارة قصد صيد السمك وتوفير موارد رزق لهم لكن وعلى عكس المتوقع لم يستخدم هؤلاء البحارة مراكبهم لصيد الأسماك بل حوّلوا وجهتها الى ما هو أهم بكثير ونقصد الذهب الأحمر حيث بات هؤلاء يستخدمون مراكبهم لاصطياد المرجان دون رخص وبطرق غير قانونية حيث اعتمدوا على ما يسمى بالمحراث وهو آلية تعتمد لاجتثاث المرجان من الأعماق دون مراعاة لطرق صيده القانونية حيث يجب الاعتماد على غواصة محترفين لاقتلاعه ويذكر أن «المحراث» يتسبب في اقتلاع كل ما هو موجود في البحر من ثروات كما يعتبر السبب الأول في هجرة الأسماك .
وذكرت مصادر أخبار الجمهورية أنه لا توجد في طبرقة مراكب متحصلة على رخص صيد المرجان مؤكدة أن المراكب المختصة والمتحصلة على تراخيص لا يتجاوز عددها الستة مراكب في كامل الجمهورية، مضيفة أن هذه المراكب المرخّص لها هي التي تستغل البحارة وتشتري منهم المرجان بأسعار زهيدة ليقع تصديرها فيما بعد وبأسعار باهضة جدا، بالاعتماد على رخصهم بطبيعة الحال ... ونشير هنا الى أن الدولة التونسية وحفاظا على حيوان المرجان تشترط عدم تجاوز صيد المرجان يوميا لحمولة 2 كليوغرام وهو ما لا يتم تطبيقه حيث يتم وبشهادة بحارة طبرقة استخراج قرابة الـ30 كغ يوميا دون أدنى رقابة وهي كميات هامة جدا ومن شأنها أن تساهم في اندثار المرجان من بحارنا، خاصة اذا علمنا أن الدورة الزمنية لنموّ هذا الحيوان البحري تمتد بين 20 و30 سنة ليصبح الجذع قابلا للاستغلال.

مافيا التهريب

استنزاف «الذهب الأحمر» متواصل بشكل أضحى يهدد ثروة المرجان بالزوال، إذ أضحى المرجان من بين المواد التي تسيل لعاب المهرّبين المحليين باتجاه إيطاليا والولايات المتحدة والهند والباكستان وتركيا، من جهة أخرى نورد أن سواحل الجزائر بالخصوص في الجانب الجنوبي من البحر المتوسط باتت هي الأخرى عرضة لنهب المرجان بشكل خطير ومحل أطماع المهربين ويعتمد الجزائريون البوابة التونسية لتهريب الذهب الأحمر وتعتبر المدن الساحلية الإيطالية وعلى رأسها «توري ديل غريكو»، أهم مركز لتحويل المرجان المهرب من جنوب المتوسط لاسيما الجزائر عبر بوابة تونس، كما تعتبر الولايات المتحدة أهم سوق مستهلك للمرجان، وغالبا ما تستخدم شبكات التهريب إيطاليا كمنطقة تسريب لمنتجاتها التي يتم اقتلاعها من شواطئ الشرق الجزائري عبر محور القالة ـ بجاية اضافة الى شواطئ طبرقة وتستخدم مناطق نابولي كمنطقة عبور للمرجان إلى باقي البلدان الأوروبية ولكن أيضا للسوق الأمريكي الذي يعتبر أكبر الأسواق استهلاكا للمرجان. ونلاحظ على خلفية حديثنا عن مافيا التهريب أن الإجراءات الردعية التي سنها المشّرع التونسي والجزائري تتمثل بالأساس في غرامات مادية وحجز للبضاعة المهربة أو سجن لفترات قصيرة ليتم اطلاق سراحهم فيما بعد ويستأنفون نشاطهم بشكل طبيعي وكأن ما اقترفوه لا يعتبر جريمة في حق هذا البلد واقتصاده، وفي نفس السياق نفيد أن مصادرنا أكدت أنه تمّ سنة 2012 القبض على العصابة رقم واحد في تهريب المرجان والمتكونة من 8 أفراد منهم ايطاليين، أما الآخرون فيعتبرون من أثرى أثرياء طبرقة.. وفي فترة سجن هؤلاء عادت الحياة الى طبيعتها بطبرقة واستأنفت عمليات صيد الاسماك لكن ومنذ قرابة الشهرين تم اطلاق سراحهم واستنأفوا نشاطهم ... وأكدت مصادرنا أن صيد المرجان يدّر يوميا قرابة ال140 مليونا.

هل في المسألة تواطؤ أمني؟

كميات هامة من المرجان تستخرج يوميا وكميات أهم تدخل بلادنا عبر الحدود الجزائرية أمام صمت أمني رهيب ومثير للريبة، فأين الحرس البحري والبرّي من كل هذه التجاوزات؟؟ ولماذا لا يتم تفتيش المراكب بشكل يومي؟ وما صحة ما يتردّد عن كون أن بعض الأمنيين لهم دخل في الموضوع بل فيهم من يمتلك مراكب بحرية يستعملونها لتهريب المرجان عبر البحر أثناء رحلات بحرية؟؟؟ من جهة أخرى لماذا لا تطالب الحكومة البحارة بمستحقاتها حيث أنّ للدولة التونسية نسبة 2 بالمائة من عمليات صيد الأسماك، فلماذا تتجاهل دولتنا هذه النسبة خاصة أن المراكب لا تستعمل في صيد السمك بل في التسبب في كوارث طبيعية ؟؟ ولماذا يتم التغاضي على الكميات المحددة لصيد المرجان ويسمح للمراكب المرخص لها باقتناء المرجان من قبل المراكب الصغيرة وغير مرخص لها؟؟؟ نقاط استفهام عديدة تطرح على خلفية فهم ما يحوم في هذا العالم المسكوت عنه والذي يستنزف يوميا ثروات هائلة من قبل مافيا تونسية ـ جزائرية ـ ايطالية.
 

لـماذا المرجان؟

يعتبر المرجان حيوانا بحريا لا يتجاوز معدل نموه من 2 إلى 6 ملم في السنة حسب العمق الموجود به المقدر بين 200 و250 مترا في البحر، يحظى بسمعة كبيرة لدى السياح الأجانب ومطلوب بكثرة لإنتاج المجوهرات النفيسة، وبات مؤخرا يستعمل لاغراض طبية وحربية كذلك ويتراوح سعر الكيلوغرام الواحد ما بين 1،5 مليون و7 مليون . وعليه يعد المرجان أغنى ثروة تسيل لعاب المهربين وأطماع الدول الغربية.
 تصحّر بحري
والجدير بالذكر أن الثروة السمكية تواجه خطر الانقراض نتيجة التخريب المستمر للشعاب المرجانية من قبل عصابات نهب وتهريب المرجان وهنا نشير الى أن عديد الخبراء اكدوا أن بعض أنواع الأسماك كالسمك الأحمر ”الروجي” والجمبري قد اختفت بفعل النهب العشوائي للثروة المرجانية.
وأضاف الخبراء في تربية الأسماك أن السبب الرئيسي في نقص هذين النوعين من الأسماك، يعود بالدرجة الأولى إلى انعدام الأوكسجين والضوء بالبحر اللذين توفرهما مادة المرجان. كما تعد الشعاب المرجانية الوسط الحيوي الملائم لتكاثر هذه الأنواع من الأسماك، وتخريبها يهدّد الثروة السمكية بالانقراض. بل إن الشعاب المرجانية تتعرض لعمليات تخريبية منظمة باستعمال وسائل جرّ وسحب عبر طرق عشوائية.

تحقيق: سناء الماجري